إذا ضعفت العقيدة في القلوب ضعف العمل، فإذا رأيت الذي يكون ضعيفا في عباداته، في صلواته وزكواته وما إلى ذلك، فاعلم أن ذلك لضعف في عقيدته بالأساس.فالعقيدة حقيقة إذا امتلأ بها القلب ظهرت آثارها على الجواربالوقوف قائما أو عدم الاستظلال أو بترك الكلام فهذا ليس فيه طاعة logo قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك". فلو خانك إنسان فلا تجازه بالخيانة، بل اصفح وتجاوز عنه حتى يثيبك الله بالحسنى ويعفو عنك، ويعاقبه على خيانته إذا كان قد تعمدها، ولربما ندم إذا رآك تعامله بهذه المعاملة وهو قد خان! فيندم ويتخلق بأخلاقك؛ فيكون عملك هذا دعوة وسببا للتخلق بهذا الخلق العظيم. شرع الله تطهير هذه الأعضاء وغسلها وتنظيفها عند القيام إلى الصلاة أو عند وجود حدث؛ حتى يصير المصلي نظيف البدن، وحتى يحصل له النشاط والقوة، وحتى يقبل على الصلاة بصدق ومحبة ورغبة الاعمى إذا أراد الصلاة فعليه أن يتحرى القبلة باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر عنده، فإن لم يكن عنده من يسأله تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه، كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه. لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك.
shape
تفسير آيات الأحكام من سورة النور
76906 مشاهدة print word pdf
line-top
تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ...

...............................................................................


الآية التي بعدها خطاب للمؤمنين وفيها أيضا ذكر لهذه الواقعة فقوله -تعالى- يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ أي أن من خطوات الشيطان القذف للأبرياء رجالا ونساء، قذفهن فيما هن بريئات منه من فعل الفاحشة أو فعل مقدماتها أو ما أشبه ذلك، فسماها خطوات لأن الشيطان يأخذهم خطوة خطوة إلى أن يوقعهم في أكبر الكبائر.
ذكروا أن للشيطان سبع عقبات يأتي بالإنسان إليها؛ فأولها: الكفر والشرك؛ فإنه هو المطلب الأعلى، وهو أكبر ونهاية خطوات الشيطان إذا أوصل الإنسان إليه فإنه يصير من أوليائه ويتركه ولا يحتاج بعد ذلك إلى أن يغويه، ولا إلى أن يوسوس له.
لكن إذا عجز أن يوقعه في الكفر أوقعه في خطوة أقل منها؛ ولكنها أيضا كبيرة وهي خطوة البدع، أن يوقعه في بدعة إما بدعة عقدية أو بدعة عملية حتى يخيل إليه أنه على صواب، والبدع أحب إلى الشيطان من المعاصي، وذلك لأن المعاصي يمكن أن يتوب منها وأما البدع فإنها يستحسنها صاحبها ويتشبث بها، ولا يتركها إلا أن يشاء الله.
فإذا عجز عن هذه الخطوة أوقعه في خطوة أخرى أقل منها، وهي خطوة: الكبائر، كبائر الذنوب المحرمات التي توعد الله عليها بوعيد بغضب أو عذاب أو لعنة أو نفي إيمان أو نحو ذلك من كبائر الذنوب التي قال الله -تعالى- فيها الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ .
فإذا عجز عن إيقاعه في الكبائر انتقل إلى خطوة أخف منها وهي خطوة: الصغائر أن يوقعه في صغائر الذنوب، ويزينها له فإذا أصر عليها أصبحت من الكبائر، فإن الإصرار على الكبيرة على الصغيرة يصيرها كبيرة.
فإذا عجز عن هذه الخطوة انتقل إلى خطوة أخف منها، وهي: أن يزين له الانهماك في المباحات، والتوسع فيها حتى ينشغل بها عن القربات، وحتى تكسله عن المنافسة في الطاعات.
فإذا عجز عن هذه الست كلها ما بقي إلا خطوة واحدة وهي: أنه يسلط عليه أولياءه وجنوده الذين هم أعوان الشيطان؛ فيسلطهم عليه بأن يؤذوه ويشتموه ويتمسخروا به، ويقبحوا سيرته ويستهزئوا به، ويوصلوا إليه ما يقدرون عليه من الأذى فهذه من خطوات الشيطان.
فتسليط الأعداء عليه، هذا أمر لا بد منه، ولكن عليه أن يتحمل ويصبر فإنه لو سلم من هذا أحد لسلم منه الأنبياء يقول: وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ أي فإن الشيطان يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ.
ومن جملة الفحشاء: الرمي والقذف للأبرياء ذكورا وإناثا وسمي فحشاء لأنه من مما يستفحش ويستقبح من الأفعال، فهو قول منكر وفاحشة كبيرة، ثم كذلك المنكر الذي يدعو إليه الشيطان هو كل أمر فيه معصية لله -تعالى- وسمي منكرا لأن النفوس الأبية، والفطر المستقيمة تنكره، وتستبشعه وتستقبحه، تستقبح فعله، وتشهد بشناعته، فالشيطان يدعو إلى الفحشاء ويدعو إلى المنكر يدعو إلى هذه الأمور التي يزينها للناس، ومن جملتها أن يدعوهم إلى أن يشيعوا الفاحشة، إلى تمكين الفاحشة وتمكين الزنا ومقدماته وفعل التبرج وأسبابه يدعوهم إلى ذلك فلا تتبعوا خطوات الشيطان؛ فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر.

line-bottom